الوقاية من القلق والاكتئاب .. والأمل في التربية والتعليم

الوقاية من القلق والاكتئاب .. والأمل في التربية والتعليم

لا بد للإنسان كي يكون سوياً ومتزناً أن يؤمن بعقيدة تقنع عقله وتُطمئن قلبه وتقدم له منهجاً في الحياة يضمن له الثبات على الحق واجتناب الباطل. وذلك لا يتوفر حقيقة إلا في الإسلام إذ أنه يقدم أدلة عقلية موضوعية تبين أنه لا يمكن أن يكون إلا من عند الله خالق الكون والإنسان، من خلال تبيان دلائل النبوة والقرائن التي تجزم بصدق رسالة نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام وأن القرآن حقاً وحيٌ منزل من عند الله. وهذه العقيدة تعطي الإنسان هدفاً في الحياة وتبين له الغاية من الوجود وتقدم منهجاً كاملاً لحياته...

فإن نتيجة اتِّباع هدى الله بالشكل الصحيح وفق سنة النبي عليه الصلاة والسلام يؤدي إلى وقاية من الخوف والحزن، اللذان يرتبطان بأكثر الأمراض النفسية انتشاراً: القلق والاكتئاب.
فالخوف إنما يكون من المستقبل وما يخفيه أو من خطر يترقبه الإنسان ويحذر منه، وأعظم ما يخيف الإنسان هو الموت، السبب الأساس في اضطرابات القلق والخوف. أما الحزن فيكون على ما مضى في حياة الإنسان من أحداث أليمة أو على ما فاته من خير ومتاع. والمؤمن الذي يتَّبع الهدى لا يصيبه الخوف كما يصيب غير المؤمنين أو ضعاف الإيمان لأنه يعرف حقيقة الحياة الدنيا وأنها دار ابتلاء ويعرف حقيقة الموت وما بعد الموت فيستعد له بترك المعاصي وتجنب الحرام والالتزام بالواجبات وعمل الخير، فيزول بذلك الخوف والتوتر والقلق وينخفض ذلك كله إلى أدنى المستويات. أما غير المؤمنين فيصابون بالقلق أو حتى الهلع بمجرد ذِكر الموت، لأنهم لا يدركون حقيقة الحياة ولا يعرفون حقيقة الموت وما بعده ولم يستعدوا له، كالطالب الكسول عند ذِكر موعد الاختبارات.

أما وقاية المؤمن من الحزن أو الاكتئاب، فهي من خلال توبة المؤمن التي تفتح له صفحة جديدة بيضاء في حياته وتطوي الصفحة السوداء، وهو يُدرك أن الخطأ من طبع البشر ولكن العبرة في اختيار التوقف عن الخطأ بالتوبة النصوح كما علَّمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". ولا تطارده أشباح ذنوبه الماضية، بل يُقبل على الحياة بإيجابية واطمئنان ايماناً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" وذلك شرطَ أن تتحقق التوبة بترك الذنب والندم والعزم على عدم العودة ورد الحقوق إلى أصحابها إن كان الذنب يتعلق بحقوق العباد. ولا يحزن على ما فاته من متاع الدنيا، ولا يغرق في الاكتئاب بسبب ما أصابه من مصائب الدنيا وذلك لأنه يؤمن بأن هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وأن الله تعالى يقول: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر : 10] فيصبر ويحتسب الأجر على الله. كما أنه لا يعتبر مفارقة أحبابه نهاية المطاف، بل يؤنسه إيمانه بأنه سوف يلقاهم في الجنة، فالمرء مع من أَحبّ. وهذا بخلاف ما يصيب غير المؤمنين من اكتئاب شديد حينما يفقدون أحبائهم يصل بهم إلى الانتحار أحياناً، وأذكر حالة امرأة ملحدة من هولندا فقدت ابنها وأدى بها الاكتئاب إلى التفكير بالإنتحار ومحاولته.

بعد معرفة هذه الحقائق يتبادر إلى الأذهان سؤال: ما هو السبيل إلى تطبيق هذه الوقاية في مجتمعاتنا؟ والإجابة تبدو واضحة، فالتربية هي السبيل إلى بناء هذه المفاهيم الإيمانية بشكل واضح وسليم لدى الناشئة، ومن أجل ذلك، لا بد من البدء بتدريب وتأهيل المدرسين والمربين كي يكونوا قادرين على التربية الإيمانية ليس فقط عبر التلقين المباشر التقليدي، بل أيضاً عن طريق الأسوة والقدوة والترغيب وربط المفاهيم المجردة بالواقع. فالأمل كله في التربية والتعليم وهذا الدور المنشود للأسف لا يتحقق في أيامنا هذه، حتى أن الآباء والأمهات لا يقومون بدورهم التربوي الإيماني كما هو مطلوب إلا ما ندر، لانشغالهم بأمور الحياة وبسبب نقص معرفي لديهم وضعف مهاراتهم التربوية، فلا بد أيضاً من تأهيل الآباء والأمهات كي يقوموا بهذا الدور وذلك يتم على الأقل عبر وسائل الإعلام التي يمكنها أن تبث دورات تربوية وبرامج تساعد المربين على معرفة الكيفية التي يمكن من خلالها تربية النشئ على مفاهيم الإسلام الإيمانية السليمة، لتنشأ بذلك أجيال تتمتع بالاتزان النفسي والاستقامة السلوكية.

منقوووووول

جزاك الله خيرا وجعلها في ميزان حسناتك