أحكام العيد.. وآدابه
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فهذه كلمات موجزة حول أحكام العيد وآدابه:
سبب التسمية:
سمي العيد عيداً لعوده وتكرره، وقيل لأنه يعود كل عام بفرح مُجَدَّدٍ، وقيل تفاؤلاً بعوده على من أدركه1.
أعياد المسلمين:
من المعلوم أن الأعياد في الإسلام اثنان فقط هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذان العيدان يتكرران في كل عام، وهناك عيد ثالث يأتي في ختام كل أسبوع وهو يوم الجمعة، وليس في الإسلام عيد بمناسبة مرور ذكرى معينة كغزوة بدر الكبرى، أو غزوة الفتح أو غيرها من الغزوات العظيمة التي انتصر فيها المسلمون انتصاراً باهراً.
وكل ما سوى هذه الأعياد الثلاثة فهو بدعة محدثة في دين الله، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا شرعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، ومن زعم غير ذلك فقد أعظم على الله الفرية، وكذب على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -2.
حكمة العيد:
إن الله - تعالى - قد شرع العيدين لحكم جليلة سامية، أما بما يتعلق بعيد الفطر فإن الناس قد أدوا فريضة من فرائض الإسلام وهي الصيام، فجعل الله لهم يوم عيد يفرحون فيه، ويفعلون فيه من السرور واللعب المباح ما يكون فيه إظهارٌ لهذا العيد.
وشكرٌ لله على هذه النعمة، فيفرحون لأنهم تخلصوا بالصوم من الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها، فكان أن جعل الله يوم الفطر عيداً ليفرح المسلم بنعمة مغفرة الذنوب، ورفع الدرجات، وزيادة الحسنات بعد هذا الموسم من الطاعات، وأما بالنسبة لعيد الأضحى فإنه يأتي في ختام عشر ذي الحجة التي يسن فيها الإكثار من الطاعات.
وذكر الله، وفيها يوم عرفة الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن صيامه يكفر ذنوب سنتين، وأما بالنسبة للحجاج الواقفين على جبل عرفة فإن الله يطلَّع عليهم، ويشهد الملائكة بأنه قد غفر لهم ذنوبهم، فكان يوم عيد الأضحى الذي يلي يوم عرفة يوماً للمسلمين يفرحون فيه بمغفرة الله، ويشكرونه على هذه النعمة العظيمة3.
روى أبو داود عن أنس - رضي الله عنه - قال: قدم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - المدينة ولهم عيدان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر))4.
وصلاة العيد مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين5.
مشروعية صلاة العيد وحكمها:
وقد شُرعت صلاة العيد في السنة الأولى من الهجرة، وهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي - صلى الله عليه وسلم- والخلفاء من بعده فقد روى الشيخان عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - أن أعرابياً جاء إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ فقال: ((الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً))6، قال الإمام النووي: "جماهير العلماء من السلف والخلف على أن صلاة العيد سنة"7.
وقت صلاة العيد:
ويبدأ وقت صلاة العيد بعد شروق الشمس بربع ساعة تقريباً، وينتهي بدخول وقت صلاة الظهر8، ويسن تقديم الصلاة في الأضحى وتأخيرها في الفطر قال ابن قدامة: "يُسنُ تقديم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر"9.
مكان إقامة صلاة العيد:
من السنة إقامة صلاة العيد في مصلى واسع قريب خارج البلد حتى يسهل على الناس الذهاب إليه فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى"10، ويجوز تعدد أماكن مصلى العيد في البلد الواحد عند الضرورة.
إقامة صلاة العيد في المساجد:
يجوز إقامة صلاة العيد في المسجد بسبب العذر مثل البرد الشديد، أو المطر، أو ما شابه ذلك، ومن صلى في المسجد بغير عذر فصلاته صحيحة بفضل الله ورحمته، ولكنه خالف السنة؛ وترك الأفضل.
وقت التكبير في العيدين:
يبدأ التكبير في عيد الفطر من ثبوت رؤية هلال شوال حتى يقوم الإمام لأداء صلاة العيد، ويبدأ التكبير في عيد الأضحى من فجر يوم عرفة حتى آخر أيام التشريق "وهو الثالث عشر من ذي الحجة"11.
صفة التكبير:
يمكن لكل مسلم أن يردد إحدى صيغ التكبير التالية:
- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
- الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
- الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد12.
أحكام عن صلاة العيد:
- صلاة العيد ليس لها سنة قبلية ولا بعدية فقد روى البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعده13.
- صلاة العيد ليس لها أذان ولا إقامة وقد روى مسلم عن جابر بن سَمُرة قال: صليت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - العيدين غير مرة بغير أذان ولا إقامة14، قال ابن القيم: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: "الصلاة جامعة"، والسنة أنه لا يُفعل شيء من ذلك"15.
صفة صلاة العيد:
صلاة العيد ركعتان يُسنُ للمصلي أن يُكبِّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام، مع رفع اليدين مع كل تكبيرة، ولم يرد ذِكْر مخصوص يقال بين التكبيرات، ويجوز أن يقول بين التكبيرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن شك في عدد التكبيرات بنى على العدد الأقل.
ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة بسورة الأعلى، ويقرأ في الثانية بعد الفاتحة بسورة الغاشية، أو يقرأ في الركعة الأولى بسورة "ق"، وفي الركعة الثانية بسورة "القمر"16 مع مراعاة جهر الإمام بالقراءة17.
حكم من فاتته بعض التكبيرات مع الإمام:
من حضر إلى صلاة العيد وأدرك الإمام لكن فاتته بعض التكبيرات فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ويتابع الإمام فيما بقي من التكبيرات، ويسقط عنه ما مضى18.
خطبة العيد:
يُسنُ للإمام بعد أداء صلاة العيد أن يخطب في الناس خطبة جامعة، ويستحب أن يفتتحها بحمد الله، ويسن له كذلك الإكثار من التكبير أثناء الخطبة، ويذكر الناس بفضل الله عليهم، وحثهم على التوبة النصوح، وتقوى الله في السر والعلانية، والإكثار من أعمال البر.
والتمسك بالكتاب والسنة، وتحذيرهم من البدع، ويسن لمن حضر الخطبة أن ينصت للإمام، ومن أراد أن ينصرف بعد الصلاة فلا حرج عليه.
روى أبو داود عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - العيد، فلما قضى صلاته قال: ((إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب))19.
قضاء صلاة العيد:
يُستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يقضيها قبل الظهر على هيئتها، وبنفس العدد من التكبيرات20 فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: "من فاتته الصلاة يوم الفطر صلى كما يصلي الإمام"21.
اجتماع العيد مع الجمعة:
إذا اجتمع العيد مع الجمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد، وتكفيه صلاة الظهر، ويُستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء حضورها، ومن لم يصلّ العيد22؛ جاء عند أبي داود عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون))23.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه, والحمد لله رب العالمين.
1 لسان العرب (ج4 ص3159).
2 المحلى (ج5 ص81)، وشرح زاد المستقنع لابن عثيمين (ج5 ص145).
3 شرح زاد المستنقع لابن عثيمين (ج5 ص211).
4 انظر صحيح أبي داود للألباني برقم (1004).
5 راجع المغني لابن قدامة (ج3 ص253).
6 البخاري حديث 1891، ومسلم حديث 11.
7 الاستذكار لابن عبد البر (ج7 ص12)، والمحلى لابن حزم (ج5 ص89)، والمجموع للنووي (ج5 ص2-3).
8 الشرح الممتع لابن عثيمين (ج5 ص154).
9 المغني (ج5 ص267).
10 البخاري برقم (956).
11 الشرح الممتع لابن عثيمين (ج5 ص221).
12 مصنف ابن أبي شيبة (ج2 ص83).
13 البخاري 964.
14 مسلم برقم (887).
15 زاد المعاد (ج1ص442).
16 رواه مسلم برقم (878/891).
17 الأم للشافعي (ج1 ص236)، (ج3 ص271).
18 المغني (ج3 ص275).
19 انظر صحيح أبي داود 1024.
20 الأم للشافعي (ج1 ص240)، المغني (ج3 ص285).
21 إسناده صحيح: مصنف عبد الرزاق (ج2 ص300).
22 فتاوى ابن تيمية (ج24 ص211).
23 انظر صحيح أبي داود 948.
المصدر: موقع إمام المسجد