علي احمد مشرف المنتديات الاسلامية
عدد المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 09/09/2014
| موضوع: بحث عن اللغة العربية , بحث لغوى , بحث عن اختلاف الالسن 2014-09-10, 00:50 | |
| بحث عن اللغة العربية , بحث لغوى , بحث عن اختلاف الالسن
اختلاف الألسن
خلق الله تعالى الإنسان، وكلّفه بمهمّة، وحمّله رسالة الخلافة عن الله في الأرض وعمارتها، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة: 30].
والخلافة عن الله في الأرض من أجل عمارتها, قال تعالى: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾[هود: 61], إذن فالله تعالى جعل الإنسان خليفة عنه في الأرض وطلب منه عمارتها. ومن أجل قيامه بهذه المهمّة وهبه العقل، وميّزه عن جميع الكائنات الحيّة الأخرى, وبالعقل استطاع الإنسان أن يفكّر في كلّ ما يراه أمامه, يحلّل ويستنتج، ويبحث عن الأسباب، ويربط الأمور ببعضها، ليفهم كل مظاهر الحياة والكون والإنسان.
فالعلم هو تراكم الإنتاج العقلي للمجموعة البشرية كلّها، منذ آدم حتّى هذه الأيّام؛ لكن الإنسان لا يستطيع ولوج باب العلوم وجمعها والاستفادة منها إلاّ من خلال مفاتيح وهبها الله له, قال تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾[البقرة، 31] لقد أعطى الله تعالى آدم-عليه السلام- القدرة على أن يسمّي كلّ شيء يراه أمامه باسم يميّزه عمّا سواه، فلا يحتاج إذا أراد الحديث عنه أن يستحضره أمامه، إنّما يكفي أن يذكره باسمه، فيفهم الحاضرون ماذا يريد.
ومن القدرة على تعلّم الأسماء نشأت اللغات التي يتكلّم بها البشر, وكلّ لغة تتألّف من أسماء وأفعال, والأسماء سابقة في الوجود على الأفعال, ومن هنا ندرك أهمية المنحة الربانية لآدم بالقدرة على تعلّم الأسماء، بينما لم يعطِ الله مثل هذه المنحة للملائكة، ولا لأي مخلوق آخر, والله تعالى عندما أعطاه القدرة على تعلّم الأسماء، منحه القدرة على النطق بها, قال تعالى: ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُون﴾ [البقرة: 33].
ومن القدرة على النطق، إلى القدرة على التعبير عن الأفكار، وهي التي يسمّيها الله تعالى (البيان) ويعتبرها من رحمة الله, قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾[الرحمن: 1-4].
من هنا ندرك لأول وهلة أن اللغات التي نشأت على الأرض إنما كانت لغة واحدة وهي لغة أبينا آدم وأمنا حواء، ولكن اليوم أنا وأنت نرى عشرات اللغات بل المئات؛ فمن أين جاءت هذه اللغات ومن الذي اخترعها؟ لعلنا نجيب أو نقرب الإجابة في هذه الصفحات, والله تعالى أعلم.
آية اختلاف الألسن:
قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾[الروم:22] يخبر الخالق سبحانه أن اختلاف الألسن إنما هو آية من آياته، ولا شك في هذا فكل ما خلقه الله هو آية على قدرته قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ*وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ*وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ*تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾[الجاثية:3-6]، وإن كان البعض يقول: إن هذه اللغات هي نتاج الحضارات وتفرق الأمم في أنحاء الأرض وصنيع الحاجة، وكما قيل الحاجة أم الاختراع، نقول له إذن تبقى آية، لأن الله يقول: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات: 96].
يقول شيث إبراهيم: أبان أنه خلق اللغات والخطاب وجعل وجود ذلك دلالة عليه سبحانه وإنما يدل عليه سبحانه فعله كما أن فعل غيره يدل على فاعله، ويقول الباقلاني: يريد تعالى باختلاف الألسن عند كافة أهل التأويل اختلاف اللغات والكلام بالألسن ولم يرد اختلاف مقاديرها لأنه يبطل معنى تخصيص اختلاف الألسن بكونه آية له فلما كان كلامنا المختلف من آياته وجب أن يكون خلقا له تعالى.
عدد اللغات في العالم اليوم:
يقدر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة الآن عند البشر بثلاثة آلاف لغة، كثير منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس، واللغات الرئيسية التي يتكلم بها أكثر من مليون شخص للغة الواحدة تزيد قليلاً على المائة لغة، من تلك اللغات تسع عشرة لغة كبرى يزيد عدد المتكلمين بكل منها عن خمسين مليون شخص، وهي في جنوب آسيا: الهندية، والأوردية، والبنغالية، والبنجابية، والتاميلية، والماراثية، والتيلوجية، وفي بقية آسيا: الصينية، الملايوية - أندنوسية، واليابانية، والكورية، وفي أوروبا: الروسية، والإيطالية، والألمانية يضاف إليها الخمس لغات العابرة للحدود التي يتحدث بها سكان العديد من الدول وهي اللغات الأهم في العالم، وهي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية.
لغة البشرية الأم:
كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى، ولما جاءت الاكتشافات الأثرية وتشكل علم اللغات لم تقوَ تلك الدعوى على الصمود، حيث اكتشفت كتابات بلغات أخرى قبل الزمن الذي دونت فيه التوراة وأرسل فيه موسى-عليه السلام-، بل قبل زمن إبراهيم - عليه السلام -، ولم يعثر على كتابات أو آثار عبرية من تلك الأزمان المتقدمة بتاتاً، فقد وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة ق. م، كما وجدت سجلات بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة 1500 أي في حدود قبل خمسة آلاف عام, أما أقدم سجلات مكتوبة ومعروفة حتى الآن فهي صور الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة عام أي في حدود 3500 ق. م، وعلى هذا الأساس؛ وعلى أساس دراسات التشابه اللغوي والاشتقاقات اللغوية والصوتية في اللغات، وأسس علمية أخرى؛ يرى بعض علماء اللغات أن اللغة البابلية هي اللغة الأم للبشرية، وهي اللغة التي تكونت السومرية منها، كما أن هناك فرضيات أخرى للغة الأم منها السريانية، والعربية، والراجح أن اللغة البابلية هي لغة الناس الأم بعد الطوفان في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد.
كيف تعددت اللغات؟
تبقى هذه القضية محل أخذ ورد بين المتكلمين والعلماء والمتخصصين، وقد ذكروا فيها نظريات وآراء واجتهادات متباينة نوعاً ما، ولكنها لا تنفك أن تكون من مشكاة واحدة في الأصل، ولعلي أسرد هنا أهم النظريات من حيث التقبل للعقل وقربها من الواقع الذي لا يتصادم ونصوص الشرع.
نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات وهي حضارة البشرية بعد الطوفان، ولغة الناس حينئذ البابلية، وحصل أن الناس كثروا بعد ذاك فتفرقوا في الأرض في هجرات جماعية طلباً للعيش، وبحثاً عن الرزق، وكان من أول الهجرات تلك التي كانت إلى بلاد النيل، وإلى الصين، وكونت حضارات كبرى مشهورة، وبدأ الناس يجدون في أماكنهم التي وصلوها أشياء جديدة، فيسمونها بأسماء يخترعونها، وتكون الأسماء المخترعة مختلفة بين أصحاب كل حضارة، وتعتمد الإضافات على أصوات ما يرون ويسمعون، وبدأت تضاف مع الأيام كلمات أخرى، واختصارات، وألفاظ جديدة على حسب الحاجة، واشتد الخلاف مع مرور السنين ثم أصبحت تتفرع من أصحاب كل حضارة لغات أخرى أيضاً بسبب الهجرة والتباعد، فتبلبلت ألسن الناس).
هذه هي النظرية العلمية الأقوى، وعليها أكثر علماء اللغات، وهناك أساطير مشهورة تمتلئ بها كتب التاريخ التي تقوم على روايات ولا تعتمد على الدراسات والاكتشافات- ومنها كتب التاريخ العربية القديمة - تروي بعضها قصة طريفة لا بأس من ذكرها: فيذكرون أن الناس كانوا على اللغة البابلية حتى زمن النمرود الذي طلب أن يبنى له معراج عظيم للسماء ليرى رب إبراهيم النبي حينذاك، فعندما صعد السقف خر عليه وعلى قومه، فنتج من سقوطه وما أحدثه من خوف عند الناس وذهول شديد أن تبلبلت ألسن الناس وتفرقت، فأصبحت كل مجموعة منهم تتكلم بلغة لا يفهمها الآخرون، وتفرقت كل مجموعة بلغتها إلى بلد من البلدان، فكانت أساس اللغات، وهذه القصة غير منطقية وبعيدة لا يتصورها العقل, فقد وقعت كثير من الكوارث والزلازل وهي أكبر من وقوع البناء على قوم النمرود, ومع ذلك لم تتبلبل ألسنة الأهالي, ولكن ورغم أن القصة تقوم على مجرد روايات منقطعة، لكن يمكن اعتبارها فرضية في هذا المجال لأمور منها: دعواها أن البابلية هي أساس اللغات، وهذا ما يذهب إليه بعض خبراء علم اللغات الحديث بتجاربه بعد تدوينه في تلك الكتب بألف عام أو يزيد، ومنها ذكر أن ذلك حصل في زمن إبراهيم أواخر ( الألف الثالث قبل الميلاد)، وهو زمن قريب من زمن نظرية الحضارة الأولى السابقة أوائل( الألف الثالثة للميلاد)، هذا بغض النظر عن قصة النمرود وما حصل له مع إبراهيم من مواجهات، ومحاولته بناء المعراج، وتلك قصص حقيقية عرج عليها القرآن تصريحاً أو تلميحاً، وانظر بعض التفاسير عند آية: ﴿ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾[النحل:26]، ولا مانع من أخذ النظرية الأولى بعين الاعتبار وجعلها هي الأولى في تفسير هذه الآية العظيمة؛ لأن سنة الله تعالى قائمة على التدرج والمرحلية في شتى مجالات الحياة؛ ففي خلق السموات والأرض كان التدرج والمرحلية سنة حاضرة قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ*ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾[فصلت: 10-12] ولو شاء الله لقال للسموات والأرض كوني فتكون، وكذلك في باب التشريع علمنا الخالق سبحانه التدرج في الأحكام، كما في تحريم الخمر على سبيل المثال لا الحصر، وهكذا فإن الله سبحانه قادر على أن ينزل مع أبينا آدم–عليه السلام- جميع اللغات التي نعرفها اليوم والتي ستنشأ في المستقبل، وما ذلك على الله بعزيز ولكن هي إرادته ومشيئته أن تكون هذه اللغات من ابتكار الإنسان كما علمه ابتكار الكثير من أمور الحياة الموجودة اليوم وقد كان لا يعرف منها شيء سوى العيش في الكهوف والمغارات وأكل اللحوم وصيد الوحوش.
تقسيم اللغات حسب غناها اللفظي والمعنوي:
اللغات المنحطة: وهي الأقل تعبيراً عن المعاني، بسيطة الألفاظ، ومنها اللغات الإفريقية، ولغات الهنود الحمر، واللغات الصينية، ولغة البربر، ولغة الأحباش، وبعض اللغات القديمة مثل لغة قدماء المصريين وغيرها.
اللغات المرتقية: وهي اللغات واسعة التعبير عن المعاني، وشاملة الألفاظ, وهي قسمان: غير متصرفة مثل اللغة التركية، ومتصرفة: تقبل التصريف، وهي قسمان عظيمان: آرية، وسامية.
اللغات الآرية وتسمى اللغات الهندوأوروبية، وقد توصل العلماء بعد استقراء طويل أن أصل كل تلك اللغات واحد وهو اللغة الآرية المفقودة، والتي يذهب البعض - وإن كانت فرضية لم تثبت - إلى أنها كانت لغة قوم في شمال أوروبا في القرون الغابرة، قبيل الطوفان أو بعده، وربما كانوا من نسل يافث بن نوح - عليه السلام -، وهذه اللغات الآرية يتكلم بها حوالي نصف البشر وهم سكان جنوب آسيا ( شبه القارة الهندية )، وكذلك سكان أوروبا والسكان الجدد الحاليين للأمريكتين وأستراليا، وهذه اللغة قسمان: جنوبية، وشمالية.
الجنوبية: وهي اللغات السنسكريتية ومنها: اللغات الهندية، والأفغانية، واللغة الفارسية، والكردية، والأرمنية.
الشمالية: وهي أنواع متعددة أهمها اللاتينية: ومنها الإيطالية، والفرنسية، والأسبانية، والرومانية.
الجرمانية: ومنها اللغات الإنجليزية، والألمانية، والهولندية.
الإغريقية: ومنها اليونانية.
أما ا للغات السامية وتسمى اللغات الأفروآسيوية، وهي لغات قديمة اندثر معظمها، ولكنها كانت لغات الحضارة الكبرى عبر التاريخ، وهي أقسام ثلاثة:
أ) الآرامية: ومنها اللغات البابلية، والكلدانية، والسريانية، ويرى بعض علماء اللغات أنها لغة واحدة تطورت في مراحل زمنية متفاوتة. ب) العبرانية: ومنها اللغة العبرية الحالية لليهود، وكذلك الفينيقية، والقرطاجية. ج) العربية: وهي اللغة الأرقى ولغة القرآن الكريم، وقد تفرعت عنها بعض لغات الحبشة في الأدوار السابقة لها.
نشأة الكتابة للغات:
الرأي السائد عند علماء اللغات أن الكتابة لم تظهر إلا بعد اللغة المنطوقة بفترة طويلة، وأن الناس لم يكونوا يستخدمون الكتابة في عصورهم الأولى! ويرجع بعض علماء اللغة ظهور الكتابة لمنتصف القرن الخامس قبل الميلاد.
لغة الإسبرانتو:
وهي لغة عالمية حاول بعض العلماء اختراعها في القرن الماضي لتعميمها على الناس كلهم، ودعمتها بعض الدول والمنظمات العالمية، وتعلمها مئات الآلاف من الناس حينذاك، ولم تستمر الفكرة إلا سنوات قليلة حتى ضعفت وتلاشت لفقدانها الخصائص الثقافية التي في كل اللغات الحية القديمة.
نظرية تطور اللغات:
بنية اللغة - أي لغة - لا تبقى ثابتة بدون تغير، فقواعدها ومفرداتها وأنماطها الصوتية كلها تتغير مع الاستعمال ومرور الأجيال، ويكون التغير عادة بطيئاً جداً، وتحدث معظم التغييرات للأشياء التي تستجد، ولما يتغير في الحياة، فمثلاً لا يلاحظ الإنجليز تغير لغتهم من سنة إلى أخرى؛ ولكن إذا حاول الحاليون منهم قراءة نصوص إنجليزية قديمة فسيجدون أنها مختلفة عما يتحدثون به بقدر اختلاف الألمانية والدانماركية عنها، وهناك لغات تعتبر الآن ميتة رغم أنها أصول لبعض اللغات الحية لعدم وجود من يتكلم بها أو حتى يفهمها في الوقت الحالي، مثل السومرية، والبابلية، والحثية، والأكادية، والمصرية القديمة، والعربية الحميرية، وحتى نحن معاشر العرب توجد لغات عربية قديمة لا يمكننا قراءة أو فهم كلمة منها مثل: اللغات المسندية: كالحميرية، والسبأية، والمعينية، والقتبانية؛ رغم أنها كلها لغات عربية، ولكنها تكتب بحروف ورسومات أخرى، وحتى لو تعلم الإنسان قراءة تلك الحروف والمفردات فإنه لن يفهم من تلك اللغات - إذا قارنها بالعربية الحديثة - إلا جزءاً يسيراً، وهو عبارة عن الكلمات التي مازالت حتى الآن على صورتها، بل حتى اللغة العربية في فترات الجاهلية يصعب على كثير من الناس فهم كثير من مفرداتها التي تعتبر الآن غريبة، وتجاوزها الزمن، وأصبحت لا تستخدم بسبب نظرية التطور في اللغات، ولننظر إلى هذا النص الشعري العربي من الجاهلية وهو من معلقة طرفة بن العبد:
أَمونٍ كَأَلواحِ الأَرانِ نَصَأتُها عَلى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهرُ بُرجُدِ
جَماليَّةٍ وَجناءَ تَردي كَأَنَّها سَفَنَّجَةٌ تَبري لِأَزعَرَ أَربَدِ
تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ وَأَتبَعَت وَظيفاً وَظيفاً فَوقَ مَورٍ مُعَبَّدِ
تَرَبَّعَتِ القُفَّينِ في الشَولِ تَرتَعي حَدائِقَ مَوليِّ الأَسِرَّةِ أَغيَدِ
كَأَنَّ عُلوبَ النِسعِ في دَأَياتِها مَوارِدُ مِن خَلقاءَ في ظَهرِ قَردَدِ
كل هذا مما يؤكد نظرية تطور اللغات، وتبذل مجمعات اللغة العربية في العصر الحديث جهوداً حثيثة لتعريب كثير من المصطلحات الناشئة مثل: مصطلحات الحضارة الحديثة، ومنها كلمات الطائرة، والقطار، والسيارة، والبرقية.
مكانة اللغة العربية:
اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطوراً كبيراً وتغيراً في مراحلها الداخلية، وللقرآن الكريم فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها غدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل: العبرية والحبشية. واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 300 مليون إنسان كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية، ومن تأثير اللغة العربية على محيطها وعلى المسلمين أن هناك عدة لغات أخرى تكتب بالحرف العربي الحديث، ومنها:
أ- في آسيا: الفارسية، والأوردية، والكردية، والملايو، والبشتو.
ب- في إفريقيا: الهوسا، والفلانية، والكانوري.
ت- كما توجد لغات بقيت سنين عديدة تكتب بذلك الحرف حتى غيرت مؤخراً لأسباب متعددة منها: التركية، والصومالية، والسواحلية.
اللغة العربية لغة القرآن:
تطورت اللغة العربية الحديثة عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من ألفي سنة من ولادتها أصبحت- قبيل الإسلام - تسمى لغة ( مضر )، وتستخدم في شمال الجزيرة، وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها، بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة لغة (حمير) نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك، وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لغة لقريش، ولغة لربيعة، ولغة لقضاعة، وهذه تسمى لغات وإن كانت مازالت في ذلك الطور لهجات فحسب، ويفهم كل قوم غيرهم بسهولة، كما كانوا يفهمون لغة حمير أيضاً وإن بشكل أقل، وكان نزول القرآن في تلك الفترة هو الحدث العظيم الذي خلد إحدى لغات العرب حينذاك، وهي اللغة التي نزل بها - والتي كانت أرقى لغات العرب - وهي لغة قريش، وسميت لغة قريش منذ ذلك اللغة العربية الفصحى يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّا﴾[الرعد: 37] ﴿وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً﴾[الأحقاف: 12] ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾[الشعراء: 195].
الخط العربي الحديث:
كان الحجازيون أول من حرر العربية من الخط النبطي، وبدأ يتغير بشكل متقارب حتى عهد الأمويين حين بدأ أبو الأسود الدؤلي بتنقيط الحروف، ثم أمر عبد الملك بن مروان عاصماً الليثي ويحيى بن يعمر بتشكيل الحروف، فبدؤوا بعمل نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحه، ونقطة تحته للدلالة على كسره، ونقطة عن شماله للدلالة على ضمه، ثم تطور الوضع إلى وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للفتح، وياء صغيرة للكسر، وواو صغيرة للضم، ثم تطور الوضع للشكل الحالي في الفتح والكسر والضم، كما انتشرت الخطوط العربية وتفشت في البلاد والأمصار.
من مميزات اللغة العربية:
للغة العربية مميزات تميزها عن كل لغات العالم، ويجعلها نعمة حقيقية يتمتع بها العارفون بها، والمحبون لها، منها:
أنها لغة القرآن الكريم التي اختار- عز وجل - أن ينزل بها آخر كتبه التي سيتعبد به إلى نهاية تاريخ البشرية.
أنها أقل لغات العالم تطوراً منذ نزول القرآن الكريم، فلا توجد لغة مر عليها أكثر من ألف عام وما زال أهلها يمكنهم قراءة وفهم نصوصها بسهولة مثلها.
الإعراب ميزة للغة العربية، حيث يشمل كل المفردات من اسم، وفعل، وحرف، ورغم وجود الإعراب في بعض اللغات الأخرى مثل: الهندية، والعبرية، والحبشية، والجرمانية، والمصرية القديمة؛ إلا أنه إعراب قاصر ببعض الكلمات دون بعض.
ومن المميزات ضبط الكلمة بالشكل من ضم وفتح وكسر، فكلمة علم– مثلاً - يمكن أن تقرأ على سبعة أوجه حسب تشكيلها ( عَلِم، عُلِم، عَلَّم، عُلِّم، عَلِّمْ، عِلْم، عَلَمْ).
وختاماً هذه هي لغتنا الجميلة، رأينا كيف تطورت عبر العصور حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، ويحس بجمالها الحقيقي وقيمتها من يدرسها ويتعلمها، وكفاها شرفاً أنها لغة القرآن الكريم.
وجه الإعجاز:
اللغات هي نتاج الإنسان ذاته عبر مر العصور والأزمان، لما أودع الله في هذا المخلوق من المواهب التي تعينه على استمرار حياته في هذه الأرض: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾[الصافات:96] واللغات عبارة عن تراكم المعرفة بالألفاظ والأسماء التي يتعارف عليها الناس أو أمة من الأمم في مكان من الأمكنة ثم تتبلور هذه اللغة نتيجة حاجتهم لما يعبرون به، فتصبح وسيلة التخاطب والتعامل وانتقال المعارف والعلوم فيما بينها وفيما بينها وبين الأمم الأخرى، بعد أن كانت اللغة المستعملة لأبينا آدم هي لغة واحدة، وعلماء هذا الزمان يرون اختلاف اللغات والألوان؛ ثم يمرون عليه دون أن يروا فيه يد الله تعالى، وآياته في خلق السماوات والأرض, وقد يدرسون هذه الظاهرة دراسة موضوعية ولكنهم لا يقفون ليمجدوا الخالق المدبر للظواهر والبواطن. ذلك أن أكثر الناس لا يعلمون, ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الروم: 7]، وآية خلق السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألوان لا يراها إلا الذين يعلمون: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾[الروم:22](12), فيجدر بالعقلاء من بني الإنسان أن يتوقفوا عند هذه الآية العظيمة بشيء من التفكر والتأمل، حيث تنطوي هذه الآية على معان عديدة نستفيد منها.
أنه من خلال الزمن الطويل والطويل جداً الذي استغرقته اللغة، فقد تكاملت خطوة خطوة كالبناء الشامخ حتى وصلت إلينا بهذا الشكل الجميل، فمن ذلك نستلهم الصبر في حياتنا ولكي لا نستعجل الأمور في تجارب الحياة المختلفة، فنترفق ونلين ونأخذ بالأسباب والإمكانات الدالة على الهدف المعيَّن الذي نصبو إليه، وندع عواقب الأمور ونتائجها على الذي خلق أسبابها وهو الله سبحانه، وبهذا نكون قد أسهمنا في علاج جانب مهم في حياتنا وهو جانب النفس التي بين جنبينا، والتي طالما ترهقنا بسبب استعجالها للأمور وتطلعها للنتائج وربما أودت بصاحبها الهاوية والهلاك، ولكن الذي يتأمل بهذه السنن الكونية الربانية الهادئة، التي تسير وتجري جري الماء في مجاريه، فهو لا يستعجل فيتوقف قليلاً حتى يجد له مجرى يسير فيه ولكنه ومع ذلك لا يتردد أن يفيض ويغضب إذا لم تتهيأ له أسباب العبور والاستمرار.
منقول | |
|